الرئيس… “يا أنا يا الحريري”

“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح

“الغزوة” التي استضافتها “دارة فيصل كرامي” في طرابلس ثبتّت أمرًا واحدًا لا رجوع عنه: سعد الحريري مرشحًا وحيدًا للتكليف… ولو كره الكارهون.

والكارهون هنا كثر، بدءًا برئيس الجمهورية والتيّار الوطني الحر الذي يخيّط الآن بعنايةٍ “صفعة” ستوجَّه إلى رأسِ الحريري السياسي إذا ما قدّرَ لها العبور، مرورًا بحزب الله الذي يستجير من الرمضاء بالنار، فهو يقبل بالحريري كخيار “الأفضل من بين الأسوأ”، إنتهاءً بالسُنة الآخرين، أعضاء اللقاء التشاوري وغيرهم.

حتى السّاعة، الكلّ أيقنَ تقريبًا (ما عدا رئيس الجمهورية والوزير جبران باسيل) ضرورة تسمية سعد الحريري في الاستشارات رغم حالة فقدان الثقة التي تعتري كثيرين لأسبابٍ تعود إلى ممارسات الحريري السّابقة، لكن الضرورات إلى جانب غياب الحلول والمخارج يحملان أحيانًا على القبول بالخيارات المُرّة كي لا يصبح الفراغ الحاكم بأمره.

عند هذه النقطة، يجزم كثيرون، أنّ إستشارات نهار الاثنين ستحمل معها تسمية الحريري رسميًا للتكليف، في حال لم يحمل هذا النهار أو ما قبله تطورات إستثنائية، كمثل عدم قبول رئيس الجمهورية منطق “فرضِ الذات بالقوة” وتفضيله قرار تأجيل الإستشارات كواحدة من الإجراءات التي قد يلجأ إليها للتعبير عن رفضهِ وغضبهِ. لذا ينشط حزب الله على خط تهدئة الرئيس. وكي لا تصبح هذه الفرضية أمرًا واقعًا، يجهد المتحلقون حول قصر بعبدا على محاولة إقناع الرئيس بتمرير “قطوع الاثنين” وعدم الخوض في منازلةٍ “يُراد كسره فيها”.

أصلاً الغضب “الجمهوري” على سعد الحريري لم يعد مقتصرًا على جدران قصر بعبدا بل إخترقته لتصل أذهان المعنيين. من يزور القصر، ينقل عن الرئيس حرصه على استتباب الأمر الدستوري المتصل بالحالة الحكومية عبر المرور أولاً بقطوعِ الاستشارات، لكن هذا لا يعني، أن “ندفع الثمن من جيوبنا”. ويلاحظ عدم رغبة لديه بعودة الحريري إلى مزاولة مهنة “الرئاسة” على إعتبار أنّه سقط في الإمتحان و”امتهنَ ممارسة الدلع السياسي على غيره”، وهو ما يؤلم القصر تحديدًا.

وعلى هذا النحو، وضع الرئيس غضبه بين يدي المعنيين والزوار وهي عبارة عن سلسلة لاءات: لا لقاء بالحريري. لا لمشاركة الممثلين عن الرئاسة في أي تركيبة. لا لمشاركة “كتلة الرئيس” (ونعني تكتل لبنان القوي) في مجلس الوزراء. في المحصلة لا للاجتماع على ذات الطاولة الحكومية مع شخصٍ إسمه سعد الحريري!

لا بل أنّ الاجواء تمضي قدمًا نحو أماكن تفوقها سخونة، حين يُنقَل عن الرئيسِ إتخاذه القرار بـ”مقاطعة الحريري سياسيًا ولو عاد رئيسًا للحكومة”، في سابقةٍ قد تحمل الرئيس على عدم ترؤس أيّ جلسةٍ حكوميّةٍ لو وصل الحريري إلى كرسي السرايا وقدّر له النجاح بالتأليفِ.

تَشدُّد الرئيس وحدَّته ينعكسان على موقفِ التيار الوطني الحر وتكتل لبنان القوي بصفتهما المولود الشرعي للرئاسة. طوال الأيام الماضية، انكبَّ “التيّار” ومعه التكتل على مناقشةِ فرضيّةِ الخروجِ من “الجنّة الحكومية” ما يعني الانضمام إلى المعارضة، بصرف النظر عن أيّ معارضةٍ نتحدَّث هنا لكون البلد يعيش اليوم “كومة معارضات” غير متآلفة أو متحابّة.

هناك في داخل “التيّار” من يعرض الحالة الراهنة على جدول حساب الخسائر والمغانم. فمن جهّة، يعني خروج “التيّار” من التشكيلة الحكومية تنفيذًا طوعيًا لمقتضى القرار الأميركي الرامي إلى حرمان جبران باسيل من دخول الحكومة. قرارٌ لا يغطيه حزب الله لا بل يتطرَّف بإتجاه إعتباره أمرًا يصبّ في خانة تحقيق رغباتٍ أميركيّةٍ، ومن جهة أخرى، ثمّة من يعتبر، أنّ خروجَ التيار، ونحن نتحدَّث عن باسيل برفقة حصّة رئيس الجمهورية، سينقذه من تهمِ الفساد المُلقاة على كاهلهِ في الشارعِ ويجوّفها، وقد يمنح وقتًا أكبر كي يعيد الوزير باسيل ترتيب أوراقه السياسيّة المستقبليّة والانكباب على تصحيح الخلل الذي بدأ يأكل في جذور “التيّار”.

لكن يبدو، أنّ من في داخل التكتل، لا يوافق على خيار خروج التيار أو رئاسة الجمهورية من الحكومة، وهو ينساق إلى تفسير حزب الله أي أنّ هذا الخروج يؤسِّس إلى كسرِ العهدِ ولا يرفعه، وعليه، ونظرًا لتعدّدِ وجهاتِ النظر، تتقاطع المعلومات، حول أنّ اجتماعَ التكتل الاستثنائي الذي يفترض انعقاده اليوم، سيطرح هذه الجدلية على التصويتِ للخروجِ بقرارٍ موحّدٍ: إما مشاركة أو لا مشاركة.

وبالتالي، تصبح الخيارات كافة معلقة على قرار التيار. في هذا الوقت، نشط حزب الله على خط بعبدا – ميرنا الشالوحي، محاولاً إعادة “ترتيب” موقف حلفائه على صعيدَيْن، أولاً، تعبيد الطريق أمام الاستشارات نهار الاثنين، وثانيًا، إقناع الجانبَيْن بضرورة مشاركتهما في الحكومة لا الخروج منها، والخروج في لحظةِ المواجهةِ الحالية له إنعكاسات خطيرة، سواء على وضعية رئاسة الجمهورية و”التيّار” وحلفائهما، أو البلد ككل. ومن وجهةِ نظر حزب الله الآن، لا معنى لحكومةٍ لا تمثل الغالبيّة المسيحيّة.

بالنسبة إلى حزب الله، أمرٌ مفروغٌ منه أنه سيكون إلى جانب عون مهما بلغت درجة تمسّكه بالحريري بحكم الظروف الراهنة، وهو سيدفع بإتجاه تعديل موقف الرئيس، والتيار طبعًا، كشرطٍ أساسيٍّ للعبور الآمن نهار الاثنين، أي تأمين تسمية الحريري من قبل التكتل “ولو بمقدارٍ ضعيفٍ” يكفل أولاً عبوره إلى التأليف وثانيًا، منحه الغطاء المسيحي على إعتبار أنّ القوات اللبنانية مثلاً، تدَّعي عدم رغبتها في المشاركة بالاستشارات.

ما يعني حزب الله الآن، أنّه وفي ظل إرتفاع قيمة المواجهة الحالية، لا يريد أن يجعل الحكومة بتراء منذ ولادتها -في حال قدر لها ذلك-، هذا لا يصحّ بالنسبة إلى الرئاسة التي قد تجد نفسها في مرحلةٍ ما بحاجةٍ إلى أدواتٍ حكوميّةٍ ولا يصحّ بالنسبة إلى ما يُحاك محليًا. قدره الحالي إقناع الرئيس، والحديث يدور الآن عن منحِ ضماناتٍ، تأتي من الحريري ربما. لذا تبدو الأيّام الاربعة المقبلة مصيريّة لناحية طبيعةِ اللقاءات التي قد تحمل المخرج المنشود.