ما مدى صحة ملاحقة النائب هادي حبيش من الناحية القانونية؟!

من المستقر فقهاً واجتهاداً ان القيود التي تعترض اقامة الدعوى العامة وتحريكها امام القضاء الحزائي تنقسم قانوناً الى ثلاث فئات:

أ- *قيود تفرضها صفة الفاعل* (حصانة نائب/ موظف/ محامي…)

ب- *قيود تفرضها صفة الفعل* ( ضرورة اتخاذ صفة الادعاء الشخصي من قبل المتضرر شخصياً بذاته في بعض الأفعال الجرمية كالقدح والذم/خرق حرمة منزل/إساءة الأمانة اَي ما يُطلق عليها تسمية جرائم الشكوى)…

ج- *قيود تفرضها صفة المسألة القانونية* (القضية المعترضة الطارئة Question préjudicielle التي تعترض الشروع بالإجراءات الجزائية في قضية ذات وصف جزائي قبل حل المسألة الفرعية التي اعترضتها والمتفرعة عنها من قبل مرجعها المختص والذي يتوقف عليها أثر قانوني في الدعوى الجزائية لناحية وصف الفعل المرتكب بالجريمة او لا، مما يوجب التوقف عن الشروع او متابعة الدعوى الجزائية لحين حل هذه القضية الطارئة المعترضة من قبل المرجع المختص بحلها كادعاء على شخص بسرقة شيئ امام القضاء الجزائي في حين أنهُ يوجد امام القضاء المدني دعوى من قبله تتعلق بإثبات ملكيتهُ لهذا الشيئ، فتعترض وصف الفعل المدعى به بالجريمة قبل التثبت من

ملكيته للشيئ المنسوب اليه سرقته بحكم مبرم من المحكمة المدنية.

*ما يهمنا بقضية حبيش/عون هي الحالة (أ).*

وهنا نطرح السؤال التالي هل أقواله تنطوي على جرم (١) وهل أقواله في حال جرميتها تدخل ضمن مهامه التمثيلية وتتعلق بعمله النيابي (٢) وهل تسقط حصانته بصددها او لا ولماذا (٣) ؟!!

(١) نعت القاضية بالشبيحة والميلشياوية (وهذا يشكل قدح وذم طالما ان الذم بحسب المادة ٣٨٥ عقوبات هو نسبة امر الى شخص ما ولو في معرض الشك من شأنه ان يحط من كرامته الانسان وطالما ان القدح هو كل لفظة ازدراء او سباب وكل تعبير يشفان عن التحقير اذا لم ينطو على نسبة امر ما). يعني يوجد جرم منصوص عليه في الشريعة الجزائية.

(٢) أقواله المذكورة لا تندرج ضمن نطاق وكالته التمثيلية التي تتعلق فقط بالمهام النيابية وفي مسائل عامة، بل تندرج ضمن مهامهِ القانونية كوكيل عن هدى سلوم وفي مسألة خاصة وليست عامة متعلقة بمهامه النيابية ، أي تتصل بمصلحة ذاتية خاصة بأحد موكليه، مما يعدم حصانته النيابية التي تستهدف فقط تمكينه من حرية ابداء أقواله وآرائه بصدد عمله النيابي. بمعنى اخر ان الحصانة النيابية التي تؤول الى اللامسؤولية النيابية، هي القيد القانوني الذي يمنع ملاحقة النائب قانوناً عن تصريحاته وأقواله والتعبير عن أفكاره وآرائه المرتبطة بمهامه النيابية وما يتعلّق بها وهي تلك التي يتم الإدلاء بها في بمناسبة او بمعرض أعماله التشريعية والرقابية فقط دون أعماله الشخصية المتعلقة بمسائل خاصة كما هو حال قضيته الخاصة مع موكلته المدعى عليها.

(٣) سنداً للمادة ٤٠ من الدستور تسقط الحصانة في حالة الجرم المشهود سواء تعلق الامر بمهامه النيابية اولا.

لو لم يكن الجرم مشهوداً او لم يُصار الى تحريك الادعاء بحقه ضمن مهلة ٢٤ ساعة من تاريخ وقوع الفعل الجرمي الذي بانقضائها تنتهي قانوناً حالة الجريمة المشهودة) لكان يقتضي لملاحقته الحصول على اذن المجلس النيابي ونقابة المحامين عبر آلية منصوص عنها قانونًا.

أمَّا وأنَّ الجريمة التي اقترفها شوهدت حال وقوعها فتُعتَبر بحسب المادة ٢٩ اصول حزائية جريمة مشهودة وأنهُ من المعروف قانوناً في الجريمة المشهودة تحُلّ شرعية استثنائية محل الشرعية العادية فيِصبِح ما هو محظراً مباحاً، فاذا كان يُحظَّر ولا يجوز ملاحقة موظف او محامي او نائب قبل الحصول على إذن من المرجع المختص، فإنَّ هذا القيد يسقط حكماً en plein droit في حال تم ضبطه بالجرم المشهود en flagrant délit الذي هو أحد حالات انهيار الحصانة باعتبار انّ الحصانات تسقط في عدة حالات:

١- حالة الجريمة المشهودة التي تخضع لاجراءات استثنائية.

٢- حالة وجود نص قانوني يجرِّد المعني من حصانته في احوال معينة (كنص المادة ٨ من قانون الإثراء غير المشروع)

٣- في حال ورود الملف الى القضاء من قبل احدى الهيئات الرقابية (تفتيش/هيئة عليا للتأديب…)

٤- في حال إعطاء اذن الملاحقة من قبل المرجع المختص.

بناءً على مُجمل ما تَقَدَّم، يُعتَبَر الشروع بالإجراءات الجزائية بحق النائب المذكور دون الاستحصال مسبقاً على اذن من المجلس النيابي واقعاً موقعهُ القانوني الصحيح.

هيثم عزو -دكتور في الحقوق ومحامٍ بالاستئناف