مأساة مروعة تودي بحياة الطبيب الشاب (27 سنة)…. سقط عن الطابق الخامس بعدما تعطل المصعد… غضب عارم من اهمال المستشفى

“نشر موقع النهار:

سقوط مصعد وموت طبيب أسقطا ورقة التوت عن الجميع، من أعلى قمة في السلطة الى العامل المسؤول عن الصيانة. حادثة وفاة الطبيب فتحت النار على وزارة الصحة التونسية ومن ورائها الحكومة من أجل محاسبة كل الأطراف، وأعادت ملف تهميش قطاع الصحة العمومية الى طاولة النقاش.

توفي الطبيب الشاب بدر الدين العلوي (27 سنة) المقيم في مستشفى جندوبة في الشمال الغربي لتونس، مساء أمس الخميس، بعد سقوطه من الطبقة الخامسة بسبب عطل في المصعد الوحيد الذي كان في وضع استخدام من بين 6 مصاعد معطّلة في المستشفى منذ أربع سنوات.

لا حياة لمن تنادي

بعد هذه الحادثة الأليمة التي أثارت غضب التونسيين عموماً والأطباء الشبان خصوصاً، قال رئيس المنظّمة التونسية للأطباء الشبان جاد الهنشيري: “على المسؤولين غير القادرين على حلّ إشكال مصعد معطوب منذ أربع سنوات المغادرة”، وطالب الهنشيري في حديث الى “النهار العربي” المسؤولين عن قطاع الصحة في تونس بالمغادرة نتيجة عجزهم عن القيام بأبسط مهامهم.

وأكد متابعة القضية حتى معاقبة كل المسؤولين عن الحادث، بدءاً بوزير الصحة، داعياً إلى محاسبتهم سياسياً وقضائياً، مضيفاً أن “من غير الممكن أن يواصل الطبيب الشاب في تونس العمل في مثل هذه الظروف الصعبة وبمرتّب هزيل”. ولفت الى أنه تم منذ سنوات رفع تقارير للسلطات المعنية لكن لا حياة لمن تنادي.

واشار الهنشيري الى أنه من المقرر عقد سلسلة من الاجتماعات لإقرار التحركات الاحتجاجية التصعيدية، مؤكداً الاتجاه الى إعلان إضراب عام إلى حين محاسبة المسؤولين بكل جدية.

ورأى الهنشيري أن “الظروف التعيسة التي يعمل فيها الأطباء الشبان تجعلهم يفكرون في الهجرة. الأطباء التونسيون من أفضل الكفاءات في الخارج لكن للأسف بلدهم لا يهتم بهم”.

ورد رئيس لجنة الصحة السابق في مجلس نواب الشعب خالد الكريشي في تصريح لـ”النهار العربي”: “هذه الحالة الكارثية لقطاع الصحة يعود الى التهاون المتصاعد من حكومات متعاقبة”. ورأى أن “المنظومة الصحية متهالكة وتفتقر الى أبسط مقومات النجاعة، وذلك من خلال موازنتها الهزيلة. وبرغم أن القطاع الصحي في حالة حرب ضد كورونا، إلا أنه غارق في الديون ولا يستطيع استخلاص مستحقات من يسدون الخدمات له، على غرار ما حدث في مستشفى جندوبة الذي لم يعد قادراً على استخلاص مستحقات صيانة المصاعد”.

ويؤكد الكريشي أنه “لم يعد يمكن أن نواصل بهذه الطريقة، وحان الوقت لتحويل وزارة الصحة وزارة سيادية، وهذا للأسف لم يحدث حتى بعد تفشي فايروس كورونا”.

وتم فتح تحقيق أمني وإداري في الحادثة لتحديد أسباب الوفاة والمسؤوليات في الحادثة. ونفذت كليات الطب في تونس اليوم وقفات احتجاج إثر هذا الحادث.

نزيف هجرة الأطباء

ويفضّل الكثير من أطباء الاختصاص في تونس السفر والعمل في الخارج على التنقل والعمل في المناطق الداخلية للبلاد، بسبب سوء البنية التحتية في المستشفيات الحكومية، إضافة إلى سياسة التمييز التي يتم بواسطتها توزيع التجهيزات والمعدات الطبية بطريقة غير عادلة بين المحافظات.

وتشهد تونس سنوياً نزيفاً يتمثل في هجرة الأطباء الشبان إلى الخارج، وبالتحديد إلى دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية التي تضم دول الاتحاد الأوروبي وأميركا الشمالية وأستراليا. إذ يكشف التقرير الصادر عن هذه المنظمة في 17 كانون الأول (ديسمبر) 2018، أن عدد الأطباء التونسيين العاملين في تلك البلدان بلغ 3200 طبيب.

موجة الهجرة التي بدأت تشتد منذ سنة 2012، تحوّلت تهديداً حقيقياً لرأس المال البشري التونسي في القطاع الصحي، إذ ارتفعت نسبة مغادرة الأطباء الجدد المسجلين في عمادة الأطباء من 6% سنة 2013 إلى 45% سنة 2017.

وتنفق تونس ميزانية كبيرة على كليات الطب والصيدلة، إذ إن كلفة تعليم طالب الطب تكلف الدولة قرابة 100 ألف دينار سنوياً، ما يعادل 35 ألف دولار.

وإذا كان قطاع الصحة الحكومية في تونس يعاني من التهميش وسوء الخدمات، فقد تطورت في المقابل الاستثمارات الخاصة في هذا القطاع خلال العقدين الأخيرين.