التعميم 158 و”خديعة” مصرف لبنان بحق المودعين

كتبت فاطمة سلامة في موقع العهد الإخباري:

ذاق المودعون الأمرين منذ عام ونصف حتى تاريخه. احتجزت أموالهم في أبشع السيناريوهات وأشدها وطئًا بعد أن ناموا ملّاكين واستفاقوا بحساب مصرفي ممنوع من الصرف.

اليوم وبعد أكثر من عام ونصف على الأزمة قدّم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ما يُسمّيه حلًا لأزمة الودائع. أصدر تعميما يحمل الرقم 158 يُعطي فيه الحق لمودع على آخر في استنسابية أقل ما يقال فيها إنها جائرة ومجحفة.

استنسابية وكأنّ الودائع هبة المصرف للمودعين، والنتيجة إجحاف إضافي لـ90 بالمئة من الودائع و90 بالمئة من قيمتها.

للأسف، هندس الحاكم بأمر المصرف التعميم كما يُملي عليه نهجه في مقاربة الملفات المالية والنقدية منذ التسعينيات حتى اليوم، تمامًا كما هندس تعاميم سابقة أعطت المودعين جزءًا ضئيلًا من حقوقهم، واتّبعت “الهيركات” وسيلة لسلب أموال المودعين والسيطرة عليها. فكيف يقرأ أهل الاقتصاد التعميم المذكور؟ وما مدى قانونيته؟.

جباعي: تعميم استنسابي وخاطئ

يستعرض الخبير الاقتصادي الدكتور محمود جباعي في حديث لموقع “العهد” الإخباري كل ما في التعميم من ثغرات وعيوب. برأيه، إنّه تعميم استنسابي، خاطئ، سيؤجج أزمة المودعين ولا يُطفئها. التعميم المجحف بحق أكثر من 90 بالمئة من الودائع وقيمتها، يخوّل مجموعة محدّدة فقط الاستفادة منه، أما باقي الناس فلن يستفيدوا منه أبدًا لا بل يسهم في الحجز على أموالهم.

يقارب جباعي التعميم من وجهة نظر اقتصادية بحتة فيلفت الى أنّه تعميم فاشل ظالم استنسابي يسحق المودعين ويُضعف الثقة بمصرف لبنان والقطاع المصرفي. تعميم سيؤدي الى المزيد من الارتفاع بسعر صرف الدولار في السوق، فالنسبة التي ستوزّع هي حوالى 3.5 مليار دولار مقسّمة على 5 سنوات أي حوالى 600 مليون دولار في السنة الواحدة. هذا المبلغ لا يساوي شيئًا في السوق الذي يحتاج ما بين 3 الى 5 مليارات دولار بالحد الأدنى سنويًا لضبط سعر الصرف.

لهذه الأسباب التعميم “يخدع” المودعين

التعميم 158 الذي يعيد جزءًا من أموال المودعين عبر إعطائهم 50 ألف دولار مقسّطة على أكثر من خمس سنوات أي 9600 دولار في السنة الواحدة لكل مودع: نصفها بالدولار ونصفها بالليرة اللبنانية، هذا التعميم استنسابي لعدة أسباب يُدرجها جباعي بالآتي:

– يشمل التعميم كل مبلغ حوّل الى دولار قبل 30 تشرين الثاني 2019، فيما يحرم أي مودع آخر حوّل وديعته الى الدولار بعد هذا التاريخ من الاستفادة منه، معطيًا إياه الحق في الاستفادة من التعميم 151 أي وفقًا لسعر صرف المنصة 3900 ليرة.

وهنا يلفت جباعي الى أنّ المصارف وافقت مع المودعين على تحويل أموالهم وجمّدتها لحد أدنى من سنة الى سنتين بموافقة مصرف لبنان، فكلنا نعلم أن لا أحد بإمكانه أن يحول الأموال في لبنان الى دولار في أي مصرف اذا كان مصرف لبنان غير موافق على تأمين الاعتماد المالي لهذا الأمر.

وعليه، فإن هذه العملية كانت بمثابة خديعة للمودعين الذين حوّلوا أموالهم الى دولار فجمّدت ولم يستعملوها، ومن ثم أتى التعميم الحالي الذي لا يلحظهم ولا يتحدّث عنهم.

وفق جباعي، فإنّ ما يحصل استنسابي وسرقة لأموال المودعين واستمرار بعملية النصب والاحتيال من قبل مصرف لبنان والمصارف بحق المودعين.

-يتحدّث التعميم عن وضع 50 ألف دولار وتجميدها في حساب مستقل تُرفع عنه السرية المصرفية عن كافة الحسابات التي وافق عليها، وعلى المودع الذي وافق على تحويل قسم من أمواله (50 ألف دولار) أن يوقّع على ورقة يتعهّد فيها بأنّه سيسحب نصف المبلغ بالدولار والنصف الآخر بالليرة اللبنانية (وفقًا لسعر المنصة 12 ألف ليرة).

بحسب جباعي، فإنّ هذه العملية بمثابة “هيركات” لأنّ سعر صرف الدولار يقارب الـ15 ألف ليرة في السوق وسيرتفع أكثر، وبالتالي فإنّ المصرف يلزم المودع بسعر صرف محدّد. والأخطر من ذلك- يقول جباعي- إنّ أي مبلغ يضطر المودع لسحبه فوق الـ50 ألف دولار سيسحبه وفقًا لسعر 1500 ليرة لا 3900 ليرة، وبالتالي لا يستفيد من التعميم 151.

وعليه، اذا احتاج الفرد في الشهر لـ2000 دولار سيجد نفسه مضطرًا لسحب 800 دولار وفقًا لآلية التعميم، و1200 دولار وفقًا لسعر صرف 1500 ليرة، ما يعني أننا عدنا الى سعر المنصة أي 3900 ليرة اذا ما احتسبنا إجمالي المبلغ المسحوب.

وفي هذا الإطار، يلفت جباعي الى أنّ أي مودع لديه أكثر من 50 ألف دولار لن يكون بإمكانه سحب ما يفوق قيمة هذا المبلغ وستحتجز لخمس سنوات. فلنتخيل أن أحدًا لديه مئات آلاف الدولارات كم سنة سينتظر وفقًا لهذا التعميم وكم ستبلغ الخسائر التي ستلحق به!.

-لم يعد للودائع بعد استثماري فقد فقدت قيمتها الاقتصادية، بل صارت تُسحب لشراء الحاجات اليومية والمصروف الشهري، وهذا أمر خطير -من وجهة نظر جباعي- يُضعف الاستثمار والناتج المحلي في لبنان طالما أنّ أي مودع لا يستطيع أن يستفيد من ودائعه نهائيًا للذهاب باتجاه الاستثمارات.

-يقسّم التعميم الأموال التي يأخذها المودع بالليرة الى نصفين؛ نصف يأخذه “كاش”، ونصف يتم وضعه في بطاقة ائتمانية، ما يعني أنّ الفرد قد يندفع لبيع العملة اللبنانية الموجودة في البطاقة بسعر أقل ليأخذها “كاش” ما يوجد نوعًا جديدًا من العملة في البلد، ويؤثر على الثقة بالليرة اللبنانية والاقتصاد اللبناني.

لكل هذه الأسباب -يقول جباعي- تخلّت جمعية المصارف عن رفضها للتعميم وسارت به بعد أن اكتشفت أنه ليس لمصلحة المودع بل لمصلحتها.

الكيك: تعاميم مصرف لبنان تشكّل تقويضًا للمنظومة التشريعية

الباحثة في الشؤون القانونية المصرفية الدكتورة سابين الكيك تقارب في حديث لموقعنا تعميم مصرف لبنان من الناحية القانونية، فتلفت الى أنّ التعميم 158 حمل كارثة تضاف الى الكارثة المصرفية التي نعيشها في هذه الأزمة.

برأيها، من الواضح أنّ مصرف لبنان بات يختزل كل السلطات في لبنان، ففي كل مرة يصدر تعاميم تشكّل تقويضًا للمنظومة التشريعية الموجودة في لبنان والتي لطالما شكّلت سببًا لاستقرار العلاقات بين الناس والمصارف ولجذب الاستثمارات الى لبنان. للأسف، التعاميم لم تعد تعاميم بل طعن وتقويض للمنظومة التشريعية.

وتشدّد الكيك على أنّ مصرف لبنان سمح لنفسه وعلى مرأى من الجميع أن يستنسب من فئات المودعين ويستنسب سقف السحوبات وسعرالصرف. وفق قناعاتها، بات مصرف لبنان يختزل البلد بأكمله وتعاميمه باتت تختزل كل كيان الدولة الدستوري. خالف مصرف لبنان أحكام الدستور وتعدّى على حق الملكية وعلى الاقتصاد الحر. تعدّى على المساواة بين المودعين، وعلى مفهوم القانون المصرفي بحسب قانون “النقد والتسليف” والذي يقتضي في الدرجة الأولى الحفاظ على أموال المودعين. لقد تعدّى على أحكام قانون “الموجبات والعقود” والتجارة التي تنظم العلاقة التعاقدية بين المصارف والمودعين. تعدى أيضًا على قانون السرية المصرفية لأنه سمح لنفسه برفع السرية المصرفية عن الحسابات الجديدة.
إنّه كارثة بكل ما للكلمة من معنى، تختم الكيك حديثها.